top of page

قوى متحكمة باقتصاد إيران قد تحرمه ثمار «صفقة» فيينا

  • نشر في جريدة الحياة
  • Jul 21, 2015
  • 3 min read

أدى توسع الإجماع الدولي على العقوبات المفروضة على إيران بدءاً بمنتصف 2010، الى زيادة الضغوط الاقتصادية على ايران فانخفض النمو في الناتج المحلي الإجمالي بمقدار النصف الى 3 في المئة في 2011. ومع تشديدها في 2012 شهد الاقتصاد انكماشاً ملحوظاً بلغ 5.9 في المئة في 2013. وأدت هذه الضغوط الى موافقة ايران في كانون الثاني (يناير) 2014 على خطة العمل المشتركة التي وضعت أسس المفاوضات مع مجموعة الخمسة زائد واحد حول برنامجها النووي. وأدى ذلك الى تخفيف موقت لبعض العقوبات التي ساهمت في وقف الانكماش الاقتصادي. ويذكر في هذا السياق أن صادرات ايران النفطية انخفضت الى 1.1 مليون برميل يومياً نهاية 2013، وهو السقف الذي حددته خطة العمل المشتركة، من نحو 2.5 مليون برميل في 2011.

كان لانخفاض الصادرات النفطية الدور الأكبر في حفز ايران على التفاوض. فعلى رغم تنوع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد، لا تتنوع الصادرات بالمقدار نفسه، ولا تزال الصادرات النفطية تشكل نحو 90 في المئة من اجمالي الصادرات. ويعود هذا أساساً الى ضعف القدرة التنافسية لاقتصاد يهيمن عليه القطاع العام، خصوصاً مؤسسات الحرس الجمهوري. ودأبت تلك الجهات منذ الثورة وتأميم ممتلكات نظام الشاه على تشديد قبضتها على مفاصل الاقتصاد مستفيدة من عزلة ايران الدولية أحياناً أو من خلال عرقلة محاولات الإصلاح الاقتصادي والمؤسسي أحياناً أخرى.

جاءت أول محاولة اصلاح مع انتخاب علي أكبر هاشمي رافسنجاني رئيساً للجمهورية عقب وفاة مرشد الثورة روح الله الخميني في 1989، وهي هدفت إلى تحرير الاقتصاد وفك عزلة ايران الدولية. وشمل برنامج الإصلاح تخصيص الشركات الحكومية وتحرير سعر الصرف وإنشاء مناطق للتجارة الحرة فضلاً عن إلغاء الإعانات وتحرير أسعار السلع والخدمات. لكن حذر المستثمرين الأجانب وضعف أسعار النفط ومعارضة المحافظين التخصيص وتخفيف القيود الاجتماعية والثقافية، أعاقت الإصلاحات. ولم يكن الرئيس المعتدل محمد خاتمي أوفر حظاً من سلفه على رغم نجاحه في توحيد أسعار الصرف وتأسيس صندوق الاستقرار النفطي وترخيص أول مصارف خاصة بعد الثورة وفتح المجال للاستثمار الأجنبي المباشر. لكنه فشل في تحرير الأسعار وخفض الإعانات وبالتالي تخصيص الشركات الحكومية بسبب معارضة القوى المحافظة.

وتمكن الرئيس محمود نجاد، الذي جاء الى الحكم في 2005، من تمرير بعض الإصلاحات، من بينها خفض الإعانات وتقليص هيمنة القطاع العام من خلال تخصيص بعض النشاطات. لكن مواقفه المتطرفة أدت الى ازدياد عزلة ايران الدولية ومكّنت الحرس الجمهوري والجهات المقربة منه من الاستئثار بعملية التخصيص. وتمكن صندوق التقاعد للحرس من السيطرة على شركة الاتصالات الوطنية، بينما أدى خروج الشركات الدولية العاملة في قطاع النفط والغاز من السوق الإيرانية إلى زيادة هيمنة الشركات الوطنية المرتبطة بالحرس على هذا القطاع.

كان لتشويه عملية الإصلاح وتجييرها لمصالح فئوية تأثيرهما السلبي الكبير في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فشل الاقتصاد في توفير فرص العمل المنتجة، خصوصاً لفئة الشباب وهي الشريحة الأكبر من الشعب الإيراني البالغ عدده نحو 77 مليون شخص. وبلغ متوسط معدل البطالة 10 في المئة لدى الإيرانيين و25.1 في المئة لدى الشباب خلال 2003 - 2013. وارتفعت معدلات التضخم الى مستويات عالية أدت الى تراجع القوة الشرائية. وساهمت تلك العوامل في ارتفاع معدلات هجرة الكفاءات الشابة. وفشلت ايران، بسبب عزلتها السياسية والاقتصادية، في تطوير قطاع النفط والغاز وإيجاد منافذ مجدية لمواردها من الغاز.

وبالتالي فإن تطلع الرئيس حسن روحاني وفريقة ومعهم اكثرية الشعب الإيراني الى رفع كامل العقوبات المالية والاقتصادية والتجارية، تنطلق من الحاجة الملحة الى توفير العوامل الضرورية لرفع القيود المزمنة على عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. خصوصاً جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة الى الاقتصاد وتعزيز الإنتاجية وتوفير التوظيف المنتج للقدرات البشرية والمادية. لكن هذا يتطلب، بطبيعة الحال، تطبيعاً شاملاً لعلاقات ايران الدولية، بما يقتضيه من تغيير الإستراتيجية التي تضعها على مسار تصادمي مع معظم الدول المؤثرة.

لكن تحقيق هذه التطلعات يعني فك قبضة القوى المستأثرة حالياً بالاقتصاد والحد من نفوذها السياسي المزمن. لذا يتوقع منها أن تقف هذه القوى بمواجهة أي عملية لتطبيع العلاقات. وقد يكفيها من المفاوضات رفع العقوبات ذات الصلة المباشرة بالبرنامج النووي فقط، أي اعادة الوضع الى ما كان عليه قبل 2010. وسيوفر هذا لها حداً أدنى من الإيرادات النفطية لتمويل الواردات ويفك عزلتها النقدية. لكن عودة الوضع الى ما كان عليه قبل عام 2010، لن يؤدي إلى معالجة قضايا الاقتصاد والتنمية وسيبقي بالتالي الأبواب مشرعة للنزاعات الداخلية والخارجية.

Comments


bottom of page