top of page

الإصلاحات السعودية من منظور التنمية المستدامة

  • نشر في جريدة الحياة
  • Apr 1, 2015
  • 3 min read

أثارت رزمة الإصلاحات المؤسسية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في مستهل عهده اهتمام الكثير من المراقبين، خصوصاً أنها تأتي في وقت يشهد اقتصاد المملكة أطول فترة من النمو اللافت في تاريخه الحديث، إذ نما الناتج المحلي الإجمالي خلال 2000 - 2013 بمعدل سنوي متوسط بلغ 5.6 في المئة بالأسعار الثابتة. وتضاعف نصيب الفرد من الناتج من نحو 9 إلى 25 ألف دولار. وشهدت كل القطاعات الإنتاجية والخدمية نمواً ملحوظاً في طاقاتها، إذ حققت الأصول الرأسمالية المتراكمة نمواً سنوياً بلغ نحو 14 في المئة خلال الفترة. واستفادت من هذا النمو في شكل خاص قطاعات التعليم والصحة والنقل وغيرها من الخدمات العامة والتجهيزات الأساسية.

وجاء هذا الأداء أساساً بفضل النمو في الإنفاق الرأسمالي والاستهلاكي للقطاعين العام والخاص الذي أتاحته وفرة الإيرادات النفطية، بينما بقيت مساهمة إنتاجية عوامل الإنتاج في النمو الاقتصادي متواضعة. ويتطلب الحفاظ على ما جرى أنجازه وضمان استدامة النمو الاعتماد الأكبر على تطوير الإنتاجية كوسيلة، لا لتعزيز النمو فحسب، بل أيضاً لاستمرار التقدم على مسار تنويع القاعدة الاقتصادية ومصادر الموازنة، وذلك باتجاه تخفيض الاعتماد على الإيرادات النفطية ذات الحساسية العالية لتقلبات الاقتصاد العالمي وديناميات أسواق الطاقة العالمية.

وجاء القرار المهم بإلغاء 12 لجنة ومجلس وهيئة ليصب في هذا التوجه الهادف إلى تحسين إنتاجية الإدارة الحكومية وكفاءتها. وجاءت في نص القرار مبرراته النابعة من «حرص الدولة على رفع كفاءة الأداء ومستوى التنسيق... بما يواكب التطورات والتغيرات المتسارعة التي طرأت في كل المجالات... والسعي إلى إيجاد نقلة نوعية على كل المستويات أخذاً بمبدأ التحسين المستمر».

ويتوقع أن تساهم هذه الإصلاحات في تطوير الكفاءة الداخلية والخارجية للقرارات الحكومية ولسياساتها وعملية إعداد الاستراتيجيات والسياسات الاقتصادية والاجتماعية. فإلغاء هذه المجالس واللجان العليا سيؤدي إلى التخلص من مرحلة متكررة كانت تستهلك كثيراً من الجهد والوقت وتتسبب في تأخير اعتماد السياسات المطلوبة في وقتها. وأبقت هذه الإصلاحات على الدور المهم والأساسي لهذه المجالس واللجان لكنها رشدته في مجلسين وزاريين، واحد للشؤون السياسية والأمنية وآخر لشؤون الاقتصاد والتنمية. ونظراً إلى تشكيل المجلسين الجديدين من جميع الوزارات المعنية، عزز القرار عملية التنسيق باشتراك كل الوزارات المعنية في إعداد الاستراتيجيات والسياسات.

وجاء حصر مهام التنسيق في مجلسين وزاريين مختصين ليحد من التداخل المحتمل في الصلاحيات بين أعضاء المجالس والوزير المختص، وبالتالي عزز الربط الموضوعي بين مدى الصلاحية وحجم المسؤولية وركز الأخيرة في الوزير المختص. وهو رشد الوقت والجهد المطلوبين في أعمال مجلس الوزراء، فاعتماد القرارات من جانب المجلس الوزاري الفرعي يتيح تلقائياً سرعة اعتمادها من جانب الهيئة العامة للمجلس.

ونتج من هذه الإصلاحات حصر تمثيل القطاعات غير الحكومية التي كانت موجودة في بعض المجالس واللجان السابقة في مجلس الشورى الذي يتكون من ممثلين عن كل فئات المجتمع والفاعليات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فضلاً عن مجالس المناطق ذات الدور الأهم في شؤون التنمية المحلية. وفي هذا السياق يتوقع أن تؤدي الاستشارات الأولية المتمثلة في ورش العمل والمؤتمرات والندوات دوراً أكبر في المستقبل في عملية بلورة السياسات الاقتصادية والاجتماعية.

ولعل أهم هذه الإصلاحات وأبرزها لجهة تأثيرها المرتقب في مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية واستشعارها للحاجة الملحة لتنمية الميزة التنافسية للاقتصاد الوطني القائمة على الإنتاجية والكفاءة، هو دمج التعليم العام والتعليم العالي في حقيبة وزارية واحدة. فتكامل مراحل منظومة التعليم بدءاً بمرحلة الحضانة وانتهاء بالمراحل الجامعية العليا يجسده الترابط الموضوعي بين هذه المراحل. وتشكل مخرجات كل مرحلة مدخلات للمرحلة التي تليها، بالتالي تحدد كفاءة هذه المرحلة وفاعليتها. وإن كان الفصل بين التعليم العام والتعليم العالي أملاه في السابق حجم المهام الكبيرة المتصلة بتوفير الطاقة الاستيعابية للمرافق المختلفة، إلا أن فاعليته في تحقيق المواءمة بين متطلبات التنمية من جهة، ومخرجات منظومة التعليم والتدريب من جهة أخرى، كانت أقل من المطلوب. لذا، فإن تطوير كفاءة منظومة التعليم والتدريب أصبح أمراً حيوياً إن كان لعملية التنمية أن تحقق أهدافها في التوظيف المنتج للقوى البشرية الوطنية وتنويع القاعدة الاقتصادية نحو تحقيق التنمية المستدامة.

وفتحت الإصلاحات المؤسسية المجال أمام إمكانتعزيز المهام التنظيمية والرقابية، فضلاً عن مهام متابعة خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويتطلب اقتصاد المملكة الحديث دوراً فاعلاً لهذه المهام لا يتوافر إلا من خلال تعزيز استقلالها وتطوير قدراتها. وأصبح من الممكن في ظل هذه الإصلاحات ربط هذه المهام برئاسة مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، بالتالي تعزيز صلاحياتها وتمكينها من متابعة أداء الجهات المسؤولة. ويوفر المجلس مرجعية مؤسسية مناسبة لإدارة وتنسيق البرامج الوطنية العامة العابرة للقطاعات المختلفة كبرنامج التخصيص وبرامج الإصلاح المؤسسي والإداري، مثلاً.

إن المراجعة والتقويم المستمرين لدور الأجهزة الإدارية والمؤسسات والسياسات في ضوء استمرار الحاجة لها أصبح أمراً ضرورياً في الاقتصاد الحديث وهو إجراء تتبعه معظم الدول المتقدمة. وأصبح بعضها يربط القرارات والسياسات بفترة زمنية تنفذ بنهايتها تلقائياً ما لم يتخذ قرار بتجديدها أو تعديلها.

Comments


bottom of page