هل التخصيص من شروط الطاقة المتجددة؟
- نشر في جريدة الحياة
- May 25, 2014
- 3 min read

على رغم اكتمال عملية التخصيص في الدول المتقدمة، فإن غالبية الدول النامية ومن بينها الدول العربية، التي تبنت سياسة تخصيص الكهرباء ووضعت استراتيجيات لتنفيذها، ما زالت عالقة في فضاء مؤسسي وتنظيمي يتراوح بين الهيكل الاحتكاري القديم والهيكل التنافسي المنشود.
وجرى إحراز بعض التقدم في انخراط القطاع الخاص في مجال التوليد، ولكن معظمه جاء في إطار الشراكة مع شركات الكهرباء التقليدية، وبقي دور القطاع الخاص متواضعاً في ضوء المتطلبات الاستثمارية العالية الناتجة من النمو المرتفع في الأحمال والاستهلاك، الأمر الذي أدى إلى زيادة الاعتماد على مصادر التمويل الحكومية المتمثلة بالقروض المدعومة وغيرها من الإعانات.
وهكذا لم تتمكن أي من هذه الدول من إنشاء سوق تنافسية في نشاط التوليد أو نشاط خدمات القيمة المضافة، بل أدى هذا الوضع في المقابل إلى تجذر شركات الكهرباء التقليدية بسبب زيادة تشابك علاقاتها مع الشركات الخاصة، بينما تقتضي المنافسة الصحية أن تكون هذه الشركات مستقلة.
يعود عدم بلوغ عملية التخصيص غاياتها إلى عدد من الأسباب أهمها أن الدولة تقوم، لأغراض السياسة الاجتماعية، بتحديد أسعار الكهرباء، غالباً دون مستوى تكلفة الخدمة، وذلك في غياب نظم إدارية بديلة تقوم بهذا الدور كما هي الحال في الدول المتقدمة، وبالتالي يصبح من الصعب جداً قيام سوق تنافسية مهمتها الأساسية والمبدئية تحديد سعر الخدمة، عندما تحتفظ الدولة بهذا الدور.
أما العائق الأساسي الآخر أمام عملية التخصيص، فهو ما تتطلبه من وجود هيئة تنظيمية تتمتع بالاستقلالية والسلطة الكافية لضمان صحة التنافس، ومراقبة عناصر الكلفة وتحديد نطاق الأسعار بما يكفل جدوى الاستثمارات من جهة ويحترم قدرة المستهلك على تحمل كلفة الخدمة من جهة أخرى. وهذا يتطلب توافر بيئة مؤسسية وتنظيمية متطورة تؤمن هذه الاستقلالية وتتيح لهيئات التنظيم القيام بمهماتها.
إن كان التأخير في عملية التخصيص أدى إلى الحد من الاستثمارات الخاصة وأبقى الاعتماد على الدعم الحكومي وحرم القطاع أيضاً من تحقيق الإنجازات الممكنة في مجالات تحسين الكفاءة وترشيد الاستهلاك، فإن عدم اكتمال التخصيص قد يحرم الدول من الاستفادة الممكنة من موارد الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، كما سيعيق تطور شبكة الكهرباء الذكية وما توفره من فرص لترشيد استهلاك الطاقة وتعزيز كفاءة الخدمة وتوفير فرص التوطين والتطوير لصناعات متقدمة تنمي فرص العمل وتعزز تنافسية الاقتصاد ونموه.
يعود كل ذلك إلى لامركزية الطاقة المتجددة وتوزعها، فضلاً عن نطاق قدراتها الكهربائية التي تتراوح بين، بضعة من الكيلواط يجري تركيبها على أسطح المنازل، مروراً بعشرات ومئات من الكيلواط يجري تركيبها في المراكز التجارية والمجمعات الصناعية، ووصولاً إلى آلاف الكيلواط التي توفرها محطات كبيرة تقع عادة خارج نطاق المراكز العمرانية. وهكذا تتيح الطاقة المتجددة لكل مستهلك للطاقة أن يكون منتجاً لها، يبيع ما يفيض عن حاجاته إلى الشبكة ويشتري ما يحتاجه منها.
إن الحيز الأكبر من قدرات الطاقة الشمسية التي يجري إنشاؤها حول العالم يقع في المرافق السكنية والتجارية وغيرها من المرافق، إذ أن قربها من مراكز الاستهلاك يلغي الحاجة إلى إنشاء خطوط لنقل الطاقة من محطات بعيدة من المراكز العمرانية، كما أن الكثافة النسبية المتدنية للطاقة المتجددة ترفع من متطلباتها من الأراضي التي قد لا تكون متوافرة.
وأدت ثورة الاتصالات والمعلومات، التي كانت عاملاً أساسياً في تسهيل تخصيص الخدمات العامة، إلى نشوء شبكة الكهرباء الذكية. ويتمثل هذا "الذكاء" في قدرات تجميع المعلومات والبيانات وتحليلها واتخاذ الإجراءات الآلية لإدارة النظام الكهربائي بكفاءة وفاعلية، إذ تتوزع هذه القدرات في كل مفاصل الشبكة وأجزائها، بدءاً بمراكز توليد ونقل الطاقة، مروراً بشبكات توزيعها على المنازل ومرافق الاستهلاك الأخرى، ووصولاً إلى المعدات والآلات والأجهزة المستهلكة للطاقة داخل المنزل أو المصنع أو المتجر.
إن السمة الأساسية لنظام الكهرباء الحديث، إذاً، هي لا مركزيته، وتنوع نشاطاته، وتداخل مهمات أصحاب العلاقة به وتشابكها، الأمر الذي يجعل من إعادة هيكلة قطاع الكهرباء نحو نموذج يوفر الأرضية المطلوبة، تمويلاً وإدارة وتنظيماً، شرطاً ضرورياً لتطوير هذا النظام. وفي غياب التحول المطلوب، قد يكون من الصعب الاستفادة من موارد الطاقة المتجددة على رغم توافرها في المنطقة العربية، كما قد يعيق تطوير الصناعات الوطنية ذات العلاقة بها أو بالشبكة الذكية، التي أصبحت في الدول المتقدمة من أكثر الصناعات ديناميكية، بما تشهده من نمو وتجذبه من استثمارات.
لا يجدر لتحرير أسعار الكهرباء أن يبقى عائقاً أمام استكمال تخصيص الخدمة الكهربائية المطلوب لتطورها، طالما أن الهدف من تحديد الأسعار، وهو حماية الشرائح الفقيرة والمتدنية الدخل، يمكن تحقيقه من خلال آليات بديلة أكثر فاعلية وكفاءة، بينما سيساهم تحرير الأسعار في ترشيد الاستهلاك عند كل الشرائح، كما سيوجه الدعم الحكومي إلى الفئات التي تستحقها، بخلاف دعم الأسعار الذي يوجه معظم الدعم إلى الفئات التي لا تستحقه، وفق دراسات متعددة.






Comments