top of page

الحوار الوطني واتفاق الطائف

  • نشر في جريدة الاقتصادية السعودية
  • Aug 1, 2009
  • 3 min read

منذ خمسة سنوات تقريبا، قام فخامة الرئيس ميشال سليمان، بصفته قائدا للجيش اللبناني بزيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية على رأس وفد من كبار ضباطه. وكان للجالية اللبنانية في الرياض شرف استقباله في حفل عشاء رعته السفارة اللبنانية. بعد العشاء استبقى العماد بعض أبناء الجالية حيث دار نقاش شيق تركز على الصعوبات التي كان يواجهها لبنان آنذاك والمناكفات السياسية بين رؤساء السلطات (الترويكا). وعندما أعاد أحدنا سبب ذلك إلى اتفاق الطائف، سارع العماد ليوضح أن العيب ليس في اتفاق الطائف بل في عدم تنفيذ كامل بنوده و مقتضياته.

إلا أن الإحداث الأليمة والنزاعات السياسية وغير السياسة التي شهدها لبنان منذ ذاك الحين وما رافقها من تعطيل للمؤسسات وتجاوزات دستورية أخرى وتقهقر اقتصادي واجتماعي، لم تأت نتيجة عدم اكتمال تنفيذ اتفاق الطائف فحسب، مع أهمية ذلك، بل تعدت ذالك إلى إبراز التشوهات في بعض ما تم تنفيذه من الاتفاق، وما بقي متوارثا من جمهورية ما قبل الطائف ولم يتم إصلاحه. حتى أن تطورات الأشهر الأخيرة أخذتنا إلى ما قبل الطائف وكأنه لم يكن، معززة بذلك شك البعض من قدرة اللبنانيين على التعلم من تجاربهم، بالرغم من فداحة الإثمان التي دفعوها سواء بالأرواح والأرزاق والفرص الضائعة، في حروبهم الأهلية وحروب الآخرين.

قد تكون هذه المعطيات خلف دعوة فخامة الرئيس في خطاب القسم الجامع إلى القول: " أن الخلاف السياسي، وما نتج عنه من إشكاليات دستورية مررنا بها، ينبغي أن يشكل حافزا لنا،ليس فقط لإيجاد المخارج، لما يمكن أن نقع فيه مستقبلا، وإنما أيضا لتحقيق التوازن المطلوب بين الصلاحيات والمسؤوليات." ودعوته في ذات الوقت إلى حماية خيار الطائف والعمل على ترسيخه.

إلا أن الطائف لم يوفر الإصلاح المطلوب والأكفأ للنظام اللبناني لكي يجنبه تكرار الحروب الأهلية، ولم يستخلص أهم دروسها وهي مسئولية الطائفية السياسية عنها. هذا بشهادة العديد من المراقبين المحايدين والموضوعيين للشؤون اللبنانية داخل لبنان وفي الخارج. والسبب الأساسي يكمن في القيود التي تضعها المحاصصة الطائفية والمذهبية على كفاءة الحلول و الإصلاحات المنشودة. فما يعطى للطائفة يؤخذ من الوطن.

لذا كان الطائف أحسن الممكن في ضل الإبقاء على طائفية النظام. كما أن من فوائده المباشرة هو أنه كرس وقف النار في الحرب الأهلية التي نفذ وقودها الخارجي مع انتهاء الحرب الباردة. أما ما جعل الطائف مقبولا للكثير ممن كانوا يطمحون بالأفضل، هو تبنيه آلية للخروج من النظام الطائفي إلى النظام الوطني الديمقراطي بالفعل. وهو الخيار الوحيد الذي يستحق الحماية والتكريس.

وان لم تكن العيوب الهيكلية للطائف كافية، فقد جاءت المرحلة اللاحقة لتشهد انتقائية فاقعة في التطبيق، أصبحت من خلاله بعض البنود الإصلاحية ذخيرة للمناكفات والابتزاز السياسي. ولم تكن تلك الانتقائية حكرا على أي فريق من اللبنانيين أو غير اللبنانيين. بينما المفارقة أن اتفاق الطائف لم يفرض على اللبنانيين، فالأشقاء والأصدقاء الذين رعوا الاتفاق آنذاك باركوا ما قبل ورضي به اللبنانيون. إنما كان، كما أصبح جليا اليوم، اتفاقا على إعادة توزيع الحصص بين الطوائف، بينما بعض البنود الإصلاحية المهمة بقيت دون تنفيذ.

لذا عادت الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية إلى التقهقر والتراجع نحو حالة لم يشهدها لبنان من قبل. وليس مبعث فخر لأي لبناني يعتد بقدراته وكفاءته وإنسانيته أن يصنف مؤشر الدول الفاشلة لعام 2008 ، لبنان في المرتبة التاسعة عشرة، بعد إثيوبيا وقبل نيجيريا ، بينما جاءت الصومال في المركز الأول من بين 177 دولة تم تصنيفها من قبل مجلة السياسة الخارجية (Foreign Policy) بالتعاون مع الصندوق من أجل السلام ((The Fund for Peace.

تنعقد آمال كبيرة على استئناف الحوار بين القيادات السياسية برعاية فخامة رئيس الجمهورية ، ولا يسع اللبنانيين إلا أن يتفاءلوا. إلا أن نتائج هذا الحوار قد لا ترقى لمستوى الآمال المعقودة عليها إن لم يتم مقاربة المسائل والتحديات التي يواجهها لبنان بمنهجية موضوعية. وهذه الموضوعية تجعلنا نرفض الخطاب السياسي الذي يوحي بأن يكون نصف اللبنانيين تقريبا لا يريدون تحرير الأرض والدفاع عن الوطن، أو أن يكون النصف الآخر تقريبا غير حريص على استقلال لبنان وسيادته. كما أن الموضوعية ذاتها تستدعي من اللبنانيين تحمل المسؤولية الكاملة لمشاكلهم وعدم إلقائها على الجهات الخارجية، فحتى لو كانت التأثيرات الآتية من الخارج صحيحة، لكنها تبقى مسؤوليتها على قوى الداخل. فمسؤولية تسرب مياه الأمطار إلى داخل المنزل، ليست مسؤولية الطبيعة، بل مسؤولية أهل البيت اللذين عليهم ترميمه وإصلاحه.

إن المعالجة الموضوعية والجذرية للازمة تكمن في استكمال تنفيذ اتفاق الطائف. تحديدا المباشرة في وضع وتنفيذ برنامج محدد لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية. انه من خلال ذلك فقط يستكمل تنفيذ الاتفاق الذي سيوفر الأرضية لتحقيق العدالة الاجتماعية ونهوض الوطن الجامع لكامل أبنائه من كافة مشاربهم الاجتماعية والاقتصادية والمذهبية. فلا تعود الدولة القادرة رهينة الحسابات الطائفية والتوازنات.

قد تكون هيئة الحوار برئاسة فخامة الرئيس هي الهيئة الوطنية المناسبة لتطوير هذا البرنامج في إطار عملية الحوار المتوقعة ووضعه موضع التنفيذ في أسرع وقت ممكن. حيث أن أي محاولات بديلة تستهدف إعادة التوازنات، سواء بين الفئات المذهبية أو السلطات، بدل إرساء النظام الديمقراطي الصحيح، ليست إلا إجراءات محدودة الفعالية والتأثير وبمثابة تقطيع للوقت الثمين من مستقبل لبنان، وتضييع لفرص النمو الاقتصادي والتطور الاجتماعي والتقدم الحضاري. فليس من الحكمة أو الذكاء أن نستمر في تكرار السياسات التي فشلت في توفير الحلول الجذرية لقضايانا، ونتوقع نتائج مختلفة.

Comments


bottom of page