الأبعاد الأمنية والاقتصادية والسياسية لمشروع قانون الطاقة الأمريكي
- نشر في جريدة الاقتصادية السعودية
- Feb 1, 2008
- 3 min read

وافق مجلس الشيوخ الأمريكي في شهر حزيران (يونيو) الماضي على مشروع قانون شامل للطاقة يتناول العديد من الجوانب التي تعكس توجهات سياسة الطاقة الأمريكية على المدى المتوسط و الطويل. ويتميز هذا القانون بكونه الأول منذ عام 1975 الذي يضع أهدافا محددة لكفاءة استعمال الوقود في وسائل النقل، الأمر الذي كان ولا يزال يلقى معارضة شديدة من صناعة السيارات. و لكي يدخل هذا القانون حيز التنفيذ لا بد من أن يوافق عليه مجلس النواب الأمريكي بالإضافة إلى توقيع رئيس الجمهورية جورج بوش. و في ضوء الأكثرية المريحة التي حضي بها، موافقة 65 عضوا مقابل 27 ضد من أعضاء مجلس الشيوخ، فان من المرجح أن لا يأتي القانون النهائي مختلفا جذريا عن الصيغة الحالية.
و إن أردنا اختيار عنوان جامع يعكس التوجه الرئيسي لهذا القانون فسيكون "تخفيض الاعتماد على النفط". حيث يدعو المشروع إلى تخفيض استهلاك النفط بمعدل 20% من مستواه المتوقع بعد عشر سنوات، يتركز معظمه في قطاع النقل.
يلزم مشروع القانون صناعة السيارات برفع كفاءة الوقود في السيارات بنسبة 40%, ويفرض زيادة حجم الوقود العضوي (الايثانول)، المستعمل في وسائل النقل كبديل للجازولين، إلى سبعة أضعاف مستوى الاستعمال الحالي بحلول عام 2022. كما يوفر القانون منح مادية و قروض مضمونة من الحكومة للبحث العلمي و التطوير التقني في مجال تحويل الفحم إلى وقود ديزل، و مجال حبس غاز ثاني أوكسيد الكربون، ومجال تحسين كفاءة الوقود في وسائل النقل. كما أن القانون يمكن الحكومة من مقاضاة شركات النفط و تطبيق العقوبات عليها في حال إدانتها بالتحكم بأسعار النفط.
و قد جاء مشروع القانون بعد عملية تفاوض صعبة حاولت قوى الضغط الممثلة للمصالح المختلفة في المجتمع أن تجير النتائج لمصالحها، كما هي العادة في النظام الديمقراطي الأمريكي. فان تركيز مشروع القانون على تخفيض الاعتماد على النفط يستجيب للقوى التي ترغب في تخفيض الاعتماد على نفط الشرق الأوسط لأسباب سياسية و إستراتيجية قد تترتب على زيادة اعتماد الولايات المتحدة على المنطقة و ما يرافقها من تطور في العلاقات المتبادلة.
كما يعكس المشروع قوة التأثير الملحوظة للقوى المدافعة عن البيئة، إذ تمكنت هذه القوى، علاوة على رفع معايير كفاءة وسائل النقل وزيادة حجم الوقود البديل النظيف، من أن تحول دون حصول صناعة الفحم على دعم عمليات تحويل الفحم إلى ديزل للسيارات، بسبب انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون التي تولدها هذه الصناعة. و اقتصر الدعم في هذا المجال على البحث العلمي و التطوير.
أما شركات النفط فقد تمكنت من صد المحاولات الهادفة إلى فرض ضرائب جديدة على أرباحها و كذلك من عدم الشروع في عملية إنتاج الديزل من الفحم. إلا أنها لم تتمكن من فتح مناطق جديدة للتنقيب عن النفط و الغاز الطبيعي.
أما صناعة السيارات الأمريكية التي تبدو من أكثر المتضررين من هذا القانون، حيث عليها أن تلتزم برفع كفاءة السيارات إلى متوسط 35 ميلا للجالون، فالواقع هو أنها لا زالت في موقع مريح نسبيا لو تم مقارنتها بصناعات السيارات في الدول الأخرى. فصناعة السيارات في الاتحاد الأوروبي قد التزمت بزيادة كفاءة سياراتها إراديا إلى 44,2 ميلا للجالون، بينما تفوق الكفاءة الحالية لصناعة السيارات اليابانية معدل 45 ميلا للجالون.
و باستثناء الفوائد البيئية الناتجة عن زيادة كفاءة وسائل النقل و زيادة الاعتماد على الوقود النظيف، فان أقل المستفيدين من هذا القانون هو المستهلك العادي. حيث أن ما اعتمده القانون من إجراءات متمثلة بزيادة استعمال الوقود العضوي سيسهم في رفع وتيرة توجيه الزراعة نحو إنتاج الطاقة الذي سيؤدي بدوره إلى تحوير الإنتاج بعيدا عن المواد الغذائية و علف الحيوانات مما يتسبب في ارتفاع أسعار تلك المواد حول العالم. كما أن زيادة مساحات الأراضي المستعملة للأغراض الزراعية على حساب الغابات له نتائج سلبية على الموارد البيئية الطبيعية. ويذكر في هذا السياق أن الطلب العالمي على الحبوب الذي كان ينمو بمعدل 1,2% سنويا خلال العقد الماضي ، أصبح ينمو بعدل 1,4% في السنوات الأخيرة، و يتوقع لهذا المعدل أن يرتفع إلى 1,9% سنويا في السنوات المقبلة.
كما يجدر الإشارة إلى أن استدامة جدوى الوقود العضوي مع توفر الدعم المشار إليه أعلاه يتطلب بقاء أسعار النفط الخام فوق مستوى 40 دولار للبرميل تقريبا, ولكي تصبح الصناعة مربحة بدون الدعم، على الأسعار أن تزيد عن نحو 70 دولارا للبرميل. ويشار في هذا السياق أن تقنية تحويل الفحم إلى ديزل، فيما لو تم اعتمادها في القانون فكانت ستتطلب نفس مستوى الدعم المباشر كصناعة الوقود العضوي كحد أدنى.
إن تقنية تحويل الفحم إلى وقود نقل، في ضوء الاحتياطيات الكبيرة الموجودة من الفحم حول العالم، قد تشكل بديلا كاملا للوقود التقليدي في قطاع النقل فيما لو تجاوزت أسعار النفط المستوى الذي يجعل منها بديلا مجديا اقتصاديا ومقبولا بيئيا. و هي بالإضافة إلى صناعة الوقود العضوي تضع كبار منتجي النفط أمام خيارات صعبة نضرا لتأثيرها على أمن الطلب المستقبلي على النفط المتمثل بزيادة مخاطر الاستثمار في توسعة قدرات الإنتاج. إلا أن الإحجام عن الاستثمار في قدرات إنتاج كافية لإبقاء أسعار النفط دون تكلفة هذه البدائل سيؤدي إلى تعزيز جدواها الاقتصادية ودعم موقعها في الأسواق على حساب موقع النفط. بينما إبقاء أسعار النفط في النطاق المطلوب يتطلب استثمارات توفر فائضا في قدرة الإنتاج كافية للدفاع عن أسواقه.






Comments